فصل: تفسير الآية رقم (208)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***


تفسير الآية رقم ‏[‏178‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏178‏)‏‏}‏

‏{‏كُتِبَ‏}‏ فرض‏.‏

يا بنت عمي كتاب الله أخرجني *** عنكم فهل أمنعن الله ما فعلا

‏{‏الْقِصَاصُ‏}‏ مقابلة الفعل بمثله من قص الأثر‏.‏ نزلت في قبيلة من العرب أعزاء لا يقتلون بالعبد منه إلا السيد، وبالمرأة إلا الرجل، أو في فريقين اقتتلا فقتل منهما جماعة، فقصاص الرسول صلى الله عليه وسلم دية الرجل بدية الرجل، ودية المرأة بدية المرأة، ودية العبد بدية العبد، أو فرض في ابتداء الإسلام قتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، ثم نسخ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏النفس بالنفس‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 45‏]‏ قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو هو أمر بمقاصة دية الجاني من دية المُجنى عليه، فإذا قتل الحر عبداً فلسيده القصاص، ثم يقاصص بقيمة العبد من دية الحر ويدفع إلى ولي الحر باقي ديته، وإن قتل العبد حراً فقتل به قاصص ولي الحر بقيمة العبد وأخذ باقي دية الحر، وإن قتل الرجل امرأة فلوليها قتله ويدفع نصف الدية إلى ولي الرجل، وإن قتلت المرأة رجلاً فقتلت به أخذ ولي الرجل نصف الدية قاله علي رضي الله تعالى عنه ‏{‏فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ هو أن يطلب الولي الدية بالمعروف، ويؤديها القاتل بإحسان ‏{‏فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ‏}‏ أي فضل‏.‏ إذا قلنا نزلت في فريقين اقتتلا، وتقاصا ديات القتلى، فمن بقيت له بقية فليتبعها بمعروف وليؤد من عليه بإحسان، وعلى قول علي رضي الله عنه يؤدي الفاضل بعد مقاصصة الديات بمعروف، فالاتباع بمعروف عائد إلى ولي القتيل، والأداء بإحسان عائد إلى ولي الجاني، أو كلاهما عائد إلى الجاني الدية بمعروف وإحسان ‏{‏تَخْفِيفٌ‏}‏ تخير ولي الدم بين القود والدية والعفو، ولم يكن ذلك لأحد قبلنا، كان على أهل التوراة القصاص أو العفو ولا أرش، وعلى أهل الإنجيل الأرش أو العفو ولا قود‏.‏ ‏{‏فَمَنِ اعْتَدَى‏}‏ فقتل بعد أخذ الدية ‏{‏فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ بالقصاص، أو يقتله الإمام حتماً، أو يعاقبه السلطان، أو باسترجاع الدية منه ولا قود عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏179‏]‏

‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‏(‏179‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ إذا ذكره الظالم كف عن القتل، أو وجوب القصاص على القاتل وحده حياة له وللمعزوم على قتله فيحييان جميعاً وهذا أعم ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ أن تقلتوا فيقتص منكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏180‏]‏

‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ‏(‏180‏)‏‏}‏

‏{‏خَيْراً‏}‏ مالاً اتفاقاً ها هنا، قال مجاهد‏:‏ «الخير المال في جميع القرآن ‏{‏وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ‏}‏ ‏[‏العاديات‏:‏ 8‏]‏ ‏{‏أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 32‏]‏ ‏{‏إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 33‏]‏ أراد المال في ذلك ‏{‏إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 84‏]‏ بغنى ومال»‏.‏ كانت الوصية للوالدين والأقربين واجبة قبل نزول المواريث، فلما نزلت المواريث نسخ وجوبها عند الجمهور، أو نسخ منها الوصية لكل وارث وبقي الوجوب فيمن لا يرث من الأقارب‏.‏ والمال الذي يجب عليه أن يوصي منه ألف درهم، أو من ألف إلى خمسمائة، أو يجب في كل قليل وكثير، فلو أوصى بثلثه لغير قرابته رُد الثلث على قرابته، أو يُرد ثلث الثلث على القرابة وثلثا الثلث للمُوصى له، أو ثلثاه للقرابة وثلثه للمُوصى له‏.‏ ‏{‏عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ التقوى في أن يقدم الأحوج فالأحوج من أقاربه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏181‏]‏

‏{‏فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏181‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَن بَدَّلَهُ‏}‏ غَيَّرَ الوصية بعد ما سمعها‏.‏ إنما ذكِّر، لأن الوصية قول‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏182‏]‏

‏{‏فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏182‏)‏‏}‏

‏{‏جَنَفاً أَوْ إِثْماً‏}‏ الجنف الخطأ، والإثم‏:‏ العمد، أو الجنف‏:‏ الميل، والإثم‏:‏ أَثَرة بعضهم على بعض، أصل الجنف الجور والعدول عن الحق ‏{‏فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ‏}‏ فمن حضر موصياً يجور في وصيته خطأ أو عمداً فأصلح بينه وبين ورثته بإرشاده إلى الحق فلا إثم عليه، أو خاف الوصي جنف المُوصي فأصلح بين ورثته وبين المُوصَى له بردّ الوصية إلى العدل، أو من خاف من جنف الموصي على ورثته بإعطاء بعض ومنع بعض في مرض موته فأصلح بين ورثته، أو من خاف جنفه فيما أوصى به لآبائه وأقاربه على بعضهم لبعض فأصلح بين الآباء والقرابة، أو من خاف جنفه في وصيته لغير وارثه بما يرجع نفعه إلى وارثه فأصلح بين ورثته فلا إثم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏183‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‏(‏183‏)‏‏}‏

‏{‏الصِّيَامُ‏}‏ الصوم عن كل شيء الإمساك عنه، ويقال عند الظهيرة صام النهار، لإبطاء سير الشمس حتى كأنها أمسكت عنه‏.‏ ‏{‏كَمَا كُتِبَ‏}‏ شبّه صومنا بصومهم في حكمه وصفته دون قدره، كانوا يصومون من العتمة إلى العتمة ولا يأكلون بعد النوم شيئاً، وكذا كان في الإسلام حتى نسخ، أو في شبه عدده، فرض على النصارى شهر مثلنا فربما وقع في القيظ فأخروه إلى الربيع وكفروه بعشرين يوماً زائدة، أو شبّه بعدد صوم اليهود ثلاثة أيام من كل شهر وعاشوراء، فصامهن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سبعة عشر شهراً ثم نسخن برمضان‏.‏ ‏{‏الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ‏}‏ جميع الناس، أو اليهود، أو أهل الكتاب‏.‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ محظورات الصوم، أو الصوم سبب التقوى لكسره الشهوات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏184‏]‏

‏{‏أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏184‏)‏‏}‏

‏{‏أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ‏}‏ هي شهر رمضان عند الجمهور، أو الأيام البيض عند ابن عباس رضي الله عنهما ثم نسخت برمضان، وهي الثاني عشر وما يليه، أو الثالث عشر وما يليه على الأظهر‏.‏ ‏{‏فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ يجب القضاء عند داود على المسافر والمريض سواء صاما أو أفطرا، وعند الجمهور لا يجب القضاء إلا على من أفطر‏.‏

‏{‏يُطِيقُونَهُ‏}‏ كانوا مخيّرين بين الصوم والفطر مع الإطعام بدلاً من الصوم، ثم نسخ بقوله تعالى ‏{‏فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ‏}‏، أو بقوله تعالى ‏{‏وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ أو وعلى الذين كانوا يطيقونه شباباً ثم عجزوا بالكبر أن يفطروا ويفتدوا، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ‏{‏يُطِيقُونَهُ‏}‏ يُكلفونه فلا يقدرون عليه كالشيخ والشيخة والحامل والمرضع الفدية ولا قضاء عليهم لعجزهم‏.‏ ‏{‏فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا‏}‏ بالصوم مع الفدية، أو بالزيادة على مسكين واحد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏185‏]‏

‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏185‏)‏‏}‏

‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ‏}‏ الشهر من الشهرة، شهر سيفه أخرجه‏.‏ ‏{‏رَمَضَانَ‏}‏ قيل أُخذ من الرمضاء لما كان يوجد فيه من الحر حتى يرمض الفصال، وكره مجاهد أن يقال «رمضان»، قائلاً لعله من أسماء الله تعالى‏.‏ ‏{‏أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ‏}‏ في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نَزَلَ منجماً بعد ذلك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نزلت صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام أول ليلة من رمضان، والتوراة لست مضين منه والإنجيل لتسع عشرة خلت منه، والفرقان لأربع وعشرين منه» أو ‏{‏أُنزِلَ فِيهِ‏}‏ في فرض صومه‏.‏ ‏{‏هُدىً لِّلنَّاسِ‏}‏ رشاداً‏.‏ ‏{‏وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى‏}‏ بينات من الحلال والحرام، وفرقان بين الحق والباطل‏.‏ ‏{‏فَمَن شَهِدَ‏}‏ أول الشهر مقيماً لزمه صومه وليس له أن يفطر في بقيته، أو فمن شهده مقيماً فليصم ما شهد منه دون ما لم يشهده إلا في السفر، أو فمن شهده عاقلاً مكلفاً فليصمه ولا يسقط صوم بقيته بالجنون‏.‏ ‏{‏مَرِيضاً‏}‏ مرضاً لا يطيق الصلاة معه قائماً، أو ما يقع عليه أسم المرض، أو ما يزيد بسبب الصوم زيادة غير متحملة ‏{‏أَوْ عَلَى سَفَرٍ‏}‏ يبلغ يوماً وليلة، أو ثلاثة أيام، أو ما يقع عليه الإسم، والفطر مباح عند الجمهور، وواجب عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال‏:‏ «اليسر الإفطار في السفر، والعسر الصوم فيه» ‏{‏وَلِتُكْمِلُواْ‏}‏ عدة ما أفطرتم منه بالقضاء من غيره‏.‏ ‏{‏وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ‏}‏ تكبير الفطر حين يهل شوال‏.‏ ‏{‏عَلَى مَا هَدَاكُمْ‏}‏ من صوم الشهر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏186‏]‏

‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ‏(‏186‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى‏}‏ قيل للرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه» أو سئل عن أي ساعة يدعون فيها، أو سئل كيف ندعوا، أو قال قوم‏:‏ لما نزل‏:‏ ‏{‏ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏]‏ إلى أين ندعوا فنزلت‏.‏ ‏{‏قَرِيبٌ‏}‏ الإجابة، أو من سماع الدعاء‏.‏ ‏{‏أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ‏}‏ اسمع فعبّر عن السماع بالإجابة، أو أُجيبه إلى ما سأل إذا كان مصلحة مستكملاً لشروط الطلب، وتجب إجابته كثواب الأعمال، فالدعاء عبادة ثوابها الإجابة، أو لا تجب‏.‏ وإن قصّر في شروط الطلب فلا تجب إجابته وفي جوازها قولان، وإن كان سؤاله مفسدة لم تجز إجابته‏.‏ ‏{‏فَلْيَسْتَجِيبُواْ‏}‏ فليجيبوني، أو الاستجابة طلب الموافقة للإجابة، أو فليستجيبوا لي بالطاعة، أو فليدعوني‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏187‏]‏

‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏(‏187‏)‏‏}‏

‏{‏الرَّفَثُ‏}‏ من فاحش القول‏:‏

عن اللغا ورفث التكلم *** ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

عبّر به عن الجماع اتفاقاً، لأن ذكره في غير موضعه فحش‏.‏ ‏{‏هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ‏}‏ بمنزلة اللباس لإفضاء كل واحد منهما ببشرته إلى صاحبه، أو لاستتار أحدهما بالآخر، أو سكن ‏{‏الليل لِبَاساً‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏ 10‏]‏ سكناً‏.‏ ‏{‏تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ‏}‏ بالجماع والأكل والشرب، أُبيحا قبل النوم وحرِّما بعده‏.‏ فطلب عمر زوجته فقالت‏:‏ قد نمت فظنها تعتل فواقعها، وجاء قيس بن صرمة من عمله في أرضه فطلب الأكل فقالت زوجته نسخن لك شيئاً فغلبته عيناه، ثم قدمت إليه الطعام فامتنع، فلما أصبح لاقى جهداً وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما جرى لهما فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏{‏فَتَابَ عَلَيْكُمْ‏}‏ لما كان من مخالفتكم‏.‏ ‏{‏وَعَفَا‏}‏ عن ذنوبكم، أو عن تحريم ذلك بعد النوم‏.‏ ‏{‏بَاشِرُوهُنَّ‏}‏ جامعوهن‏.‏ ‏{‏مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ‏}‏ الولد، أو ليلة القدر، أو ما رخص فيه‏.‏ ‏{‏الْخَيْطُ الأَبْيَضُ‏}‏ قال علي رضي الله تعالى عنه‏:‏ «الخيط الأبيض الشمس»‏.‏ قال حذيفة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر وأنا أرى مواقع النبل‏.‏ فقيل لحذيفة بعد الصبح فقال‏:‏ هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس» والإجماع على خلاف هذا، أو الأبيض الفجر الثاني والأسود سواد الليل قبل الفجر الثاني، كان عدي يراعي خيطاً أبيض وخيطاً أسود جعلهما تحت وسادته فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال‏:‏ «إنك لعريض الوساد، إنما هو بياض النهار وسواد الليل، أو كان بعضهم يربط في رجليه خيطاً أبيض وخيطاً أسود ولا يزال يأكل حتى يتبينا له فأنزل الله عز وجل ‏{‏مِنَ الْفَجْرِ‏}‏، فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار» ‏{‏الْفَجْرِ‏}‏ لانبعاث ضوئه‏:‏ من فجر الماء يفجر فجراً‏:‏ انبعث وجرى ‏{‏تُبَاشِرُوهُنَّ‏}‏ بالقبل واللمس، أو بالجماع عند الأكثرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏188‏]‏

‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏188‏)‏‏}‏

‏{‏بِالْبَاطِلِ‏}‏ بالغصب والظلم، أو القمار والملاهي‏.‏ ‏{‏وَتُدْلُواْ‏}‏ تصيروا، أدليت الدلو أرسلته‏.‏ ‏{‏أَمْوَالَكُم‏}‏ أموال اليتامى، أو الأمانات والحقوق التي إذا جحدها قُبِلَ قوله فيها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏189‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏189‏)‏‏}‏

‏{‏الأَهِلَّةِ‏}‏ من الاستهلال برفع الصوت عند رؤيته‏.‏ «وهو هلال إلى ليلتين، أو إلى ثلاث، أو إلى أن يحجر بخطة دقيقة، أو إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل فيسمى حنيئذٍ قمراً»‏.‏

‏{‏مَوَاقِيتُ‏}‏ مقادير لأوقات الديون، والحج‏.‏ ‏{‏تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا‏}‏ كنى به عن إيتان النساء في أدبارهن، لأن المرأة يأوى إليها كما يأوى إلى البيت، أو هو مثل لإتيان البيوت من وجهها ولا يأتونها من غير وجهها، أو كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطاً من بابه فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار رفاعة الأنصاري فجاء فتسور الحائط على الرسول صلى الله عليه وسلم فلما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من الباب خرج معه رفاعة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما حملك على هذا» فقال‏:‏ «رأيتك خرجت منه»، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إني رجل أحمس»، فقال رفاعة‏:‏ «إن تكن رجلاً أحمس فإن ديننا واحد فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏» وقريش يُسمون الحمس لتحمسهم في دينهم، والحماسة‏:‏ الشدة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏190‏]‏

‏{‏وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ‏(‏190‏)‏‏}‏

‏{‏الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ‏}‏ هذه أول آية نزلت بالمدينة في قتال من قاتل خاصة ‏{‏وَلا تَعْتَدُوَاْ‏}‏ بقتال من لم يقاتل‏.‏ ثم نسخت بـ ‏{‏بَرَآءَةٌ‏}‏ أو نزلت في قتال المشركين كافة ‏{‏وَلا تَعْتَدُواْ‏}‏ بقتل النساء والصبيان، أو لا تعتدوا بالقتل على غير الدين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏191‏]‏

‏{‏وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ‏(‏191‏)‏‏}‏

‏{‏ثَقِفْتُمُوهُمْ‏}‏ ظفرتم بهم‏.‏ ‏{‏وَالْفِتْنَةُ‏}‏ الكفر ها هنا اتفاقاً لأنه يؤدي إلى الهلاك كالفتنة‏.‏ ‏{‏وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ نهوا عن قتال أهل الحرم إلا أن يبدءوا بالقتال ثم نسخ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 193‏]‏، أو هي محكمة فلا يُقَاتل أهل الحرم ما لم يبدءوا بالقتال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏194‏]‏

‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ‏(‏194‏)‏‏}‏

‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏ لما اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فَصُدًّ، فصالح على القضاء في العام المقبل، فقضى في ذي القعدة نزل ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ‏}‏ وهو ذي القعدة المقضي فيه ‏{‏بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏ المصدود فيه، أُخذ ذو القعدة من قعودهم عن القتال فيه لحرمته، ‏{‏وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ‏}‏ لما فخرت قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم حين صدته اقتص الله تعالى له، أو نزلت لما قال المشركون‏:‏ «أَنُهِيتَ عن قتالنا في الشهر الحرام، فقال‏:‏» نعم «‏.‏ فأرادوا قتاله في الشهر الحرام فقيل له‏:‏ إن قاتلوك في الشهر الحرام فاستحل منهم ما استحلوا منك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏195‏]‏

‏{‏وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ‏(‏195‏)‏‏}‏

‏{‏سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ الجهاد‏.‏ ‏{‏وَلا تُلْقُوأ بِأَيْدِكُمْ‏}‏ الباء زائدة، أو غير زائدة أي لا تُلقوا أنفسكم بأيديكم‏.‏ ‏{‏التَّهْلُكَةِ‏}‏ الهلاك لا تتركوا النفقة في الجهاد فتهلكوا بالإثم، أو لا تخرجوا بغير زاد فتهلكوا بالضعف، أو لا تيأسوا من المغفرة عن المعصية فلا تتوبوا، ولا تتركوا الجهاد فتهلكوا، أو لا تقتحموا القتال من غير نكاية في العدو، أو هو عام محمول على ذلك كله‏.‏ ‏{‏وَأَحْسِنُواْ‏}‏ الظن بالقدر، أو بأداء الفرائض أو عودوا بالإحسان على المعدم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏196‏]‏

‏{‏وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏196‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ‏}‏ أتموا كل واحد منهما بمناسكه وسننه، أو الإحرام بهما إفراد من دويرة الاهل، أو أن يخرج من دويرة أهله لأجلهما لا يريد غيرهما من كسب ولا تجارة، أو إتمامهما واجب بالدخول فيهما، أو إتمام العمرة الإحرام بها في غير أشهر الحج، وإتمام الحج الإتيان بمناسكه بحيث لا يلزمه دم جبران نقص‏.‏ ‏{‏أُحْصِرْتُمْ‏}‏ بالعدو دون المرض، أو كل حابس من عدو أو مرض أو عذر ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ‏}‏ بدنة صغيرة أو كبيرة، أو هو شاة عند الأكثرين‏.‏ ‏{‏الْهَدْى‏}‏ من الهدية، أو من هديته إذا سقته إلى الرشاد‏.‏ ‏{‏مَحِلَّهُ‏}‏ محل الحصر حيث أُحصر من حل أو حرم، أو الحرم، أو مَحِله‏:‏ تحلله بأداء نسكه، فليس لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتحلل من إحرامه فإن كان إحرامه عمرة لم يفت، وإن كان حجاً ففاته قضاه بالفوات بعد تحلله منه‏.‏ ‏{‏صٍيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ‏}‏ صيام ثلاثة أيام، صدقة‏:‏ إطعام ستة مساكين، أو صيام عشرة أيام، والصدقة أطعام عشرة، والنسك شاة‏.‏ ‏{‏أَمِنتُمْ‏}‏ من الخوف، أو المرض، ‏{‏تَمَتَّعَ‏}‏ بفسخ الحج، أو فعل العمرة في أشهر الحج ثم حج في عامه، أو إذا تحلل الحاج بالإحصار ثم عاد إلى بلده متمتعاً ثم قضى الحج من قابل فقد صار متمتعاً بإحلاله بين الإحرامين‏.‏ ‏{‏فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ‏}‏ شاة أو بدنة‏.‏ ‏{‏ثلاَثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ‏}‏ بعد الأحرام به وقبل يوم النحر، أو في أيام التشريق‏.‏ ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج أو يجوز في عشر ذي الحجة ولا يجوز قبله، أو يجوز في أشهر الحج ولا يجوز قبلها‏.‏ ‏{‏رَجَعْتُمْ‏}‏ من حجكم، أو إلى أهلكم في أمصاركم‏.‏ ‏{‏كَامِلَةٌ‏}‏ تأكيد، أو كاملة من الهدي، أو كملت أجره كمن أقام على الإحرام فلم يتحلل منه ولم يتمتع، أو هو خبر بمعنى الأمر أي أكملوا صيامها‏.‏ ‏{‏حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ أهل الحرم، أو من بين مكة والمواقيت، أو أهل الحرم ومن قرب منه كأهل عُرنة وعَرفة والرجيع، أو من كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏197‏]‏

‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ‏(‏197‏)‏‏}‏

‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ‏}‏ شوال وذو القعدة وذو الحجة، أو شوال، وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، أو شوال وذو القعدة وعشر ليالي من ذي الحجة إلى طلوع الفجر يوم النحر‏.‏ ‏{‏فَرَضَ‏}‏ أحرم، أو أَهَلَّ بالتلبية‏.‏ ‏{‏رَفَثَ‏}‏ الجماع، أو الجماع والتعرض له بمواعدة ومداعبة أو الإفحاش بالكلام كقوله‏:‏ «إذا حللت فعلت بكِ كذا من غير كناية»‏.‏ ‏{‏وَلا فُسُوقَ‏}‏ منهيات الإحرام، أو السباب، أو الذبح للأصنام، أو التنابز بالألقاب أو المعاصي كلها‏.‏ ‏{‏وَلا جِدَالَ‏}‏ السباب، أو المِراء والاختلاف أيهم أتم حجاً، أو أن يجادل صاحبه حتى يغضبه، أو اختلاف كان يقع بينهم في اليوم الذي يكون فيه حجهم، أو اختلافهم في مواقف الحج أيهم أصاب موقف إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو لا جدال في وقته لاستقراره وبطلان النسيء الذي كانوا ينسئونه فربما حجوا في صفر أو ذي القعدة‏.‏ ‏{‏وَتَزَوَّدُوأ‏}‏ الأعمال الصالحة، أو نزلت في قوم من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد، ويقولون نحن المتوكلون، فنزل ‏{‏وَتَزَوَّدُواْ‏}‏ الطعام فإن خيراً منه التقوى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏198‏]‏

‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ‏(‏198‏)‏‏}‏

‏{‏فَضْلاً‏}‏ كانت ذو المجاز وعكاظ متجراً في الجاهلية فلما جاء الإسلام تركوا ذلك حتى نزلت ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ‏}‏‏.‏ ‏{‏أَفَضْتُم‏}‏ أسرعتم، أو رجعتم من حيث بدأتم‏.‏ ‏{‏عَرَفَاتٍ‏}‏ جمع عرفة، أو اسم واحد وإن كان بلفظ جمع، قاله الزجاج سميت به، لأن آدم عليه الصلاة والسلام عرف بها حواء بعد هبوطهما، أو عرفها عند رؤيتها إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما تقدم له من وصفها، أو لتعريف جبريل عليه الصلاة والسلام مناسكهم، أو لعلو الناس على جبالها، لأن ما علا عرفة وعرفات، ومنه عرف الديك‏.‏ ‏{‏الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏}‏ سمي به لأن الدعاء فيه والمقام من معالم الحج‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏199‏]‏

‏{‏ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏199‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَاضَ النَّاسُ‏}‏ إبراهيم عليه الصلاة والسلام عبّر عن الواحد بلفظ الجمع، كقوله ‏{‏الذين قَالَ لَهُمُ الناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 173‏]‏ يعني نُعيم بن مسعود، أو أمر قريشا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس وهم العرب كانوا يقفون بعرفة، لأن قريشاً كانوا يقفون بمزدلفة، ويقولون نحن أهل الحرم فلا نخرج منه فنزلت ‏{‏وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ‏}‏ من ذنوبكم، أو من مخالفتكم في الوقوف والإفاضة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏200‏]‏

‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ‏(‏200‏)‏‏}‏

‏{‏مَّنَاسِكَكُمْ‏}‏ الذبائح، أو ما أُمرتم به في الحج، والمناسك المتعبدات‏.‏ ‏{‏فاذْكُرُواْ اللَّهَ‏}‏ بالتكبير أيام منى، أو بجميع ما سُّن من الأدعية بمواطن الحج كلها‏.‏ ‏{‏كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ‏}‏ كانوا إذا فرغوا من الحج جلسوا بمنى وافتخروا بمناقب آبائهم فنزلت، أو كذكر‏:‏ الصغير لأبيه إذا قال‏:‏ يا بابا، أو كان أحدهم يقول‏:‏ اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فاعطني مثل ما أعطيته فلا يذكر غير أبيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏201‏]‏

‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ‏(‏201‏)‏‏}‏

‏{‏حَسَنَةً‏}‏ العافية في الدنيا الآخرة، أو نعيمهما قاله‏:‏ الأكثر، أو المال في الدنيا والجنة في الآخرة، أو العلم والعمل في الدنيا والجنة في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏203‏]‏

‏{‏وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ‏(‏203‏)‏‏}‏

‏{‏مَّعْدُودَاتٍ‏}‏ أيام منى إجماعاً وإن شرك بعضهم بين بعضها وبين الأيام المعلومات‏.‏ ‏{‏تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ‏}‏ النَّفْر الأول‏.‏ ‏{‏وَمَن تَأَخَّرَ‏}‏ النَّفْر الثاني‏.‏ ‏{‏فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ في تعجله ولا تأخره، أو يغفر لكل واحد منهما، أو لا إثم عليه إن أتقى فيما بقي من عمره، أو لا إثم عليه إن اتقى قتل الصيد في الثالث من أيام التشريق، أو إن اتقى ما نُهِي عنه غُفر له ما تقدم من ذنبه‏.‏ ‏{‏وَاذْكُرُواْ اللَّهَ‏}‏ بالتكبير في الأيام المعدودات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق، أو من الفجر يوم عرفة إلى العصر يوم النحر، أو من الظهر يوم النحر إلى بعد العصر آخر أيام التشريق، أو بعد صلاة الصبح من آخر التشريق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏204‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ‏(‏204‏)‏‏}‏

‏{‏يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ‏}‏ من الجميل والخير، أو من حب الرسول صلى الله عليه وسلم والرغبة في دينه‏.‏ ‏{‏وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ‏}‏ يقول اللهم اشهد عليَّ به، أو في قلبه ما يشهد الله أنه بخلافه، أو يستشهد الله على صحة ما في قلبه والله يعلم أنه بخلافه‏.‏ ‏{‏أَلَدُّ‏}‏ الألد‏:‏ الشديد الخصومة‏.‏ ‏{‏الْخِصَامِ‏}‏ مصدر، أو جمع خصيم أي ذو جدال، أو كذاب، أو شديد القسوة في المعصية، أو غير مستقيم الخصومة‏.‏ نزلت في الأخنس بن شَرِيق، أو هي صفة للمنافقين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏205‏]‏

‏{‏وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ‏(‏205‏)‏‏}‏

‏{‏تَوَلَّى‏}‏ تصرف، أو غضب‏.‏ ‏{‏لِيُفْسِدَ فِيهَا‏}‏ بالكفر، أو الظلم‏.‏ ‏{‏وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ‏}‏ بالقتل والسبي، أو بالإضلال المفضي إلى القتل والسبي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏206‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ‏(‏206‏)‏‏}‏

‏{‏أَخَذتْهُ الْعِزَّةُ‏}‏ دعته إلى فعل الإثم، أو يعز نفسه أن يقولها للإثم المانع منها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏207‏]‏

‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ‏(‏207‏)‏‏}‏

‏{‏يَشْرِى‏}‏ يبتع، نزلت فيمن أمر بمعروف ونهى عن منكر فقتل، أو في صهيب اشترى نفسه من المشركين بجميع ماله ولحق بالمسلمين، وقال الحسن‏:‏ العمل الذي باع به نفسه الجهاد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏208‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ‏(‏208‏)‏‏}‏

‏{‏السِّلْمِ‏}‏ والسَّلم واحد أو بالكسر الإسلام، وبالفتح المسالمة‏.‏ ادخلوا في الإسلام، أو الطاعة‏.‏ ‏{‏كَآفَّةً‏}‏ عائد إلى الطاعة، أو إلى تأكد الداخل فيها‏.‏ ‏{‏مُّبِينٌ‏}‏ أبان عداوته بامتناعه من السجود، أو بقوله ‏{‏لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 62‏]‏ أُمر بها المسلمون أن يدخلوا في شرائع الإسلام كلها، أو في أهل الكتاب آمنوا بمن سلف من الأنبياء، فأُمروا بالدخول في الإسلام، أو نزلت في ابن سلام وجماعة من اليهود لما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم «السبت يوم كنا نعظمه ونَسْبُت فيه، والتوراة كتاب الله تعالى فدعنا فلنقم بها بالليل»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏209‏]‏

‏{‏فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏209‏)‏‏}‏

‏{‏زَلَلْتُم‏}‏ عصيتم أو كفرتم، أو ضللتم‏.‏ ‏{‏الْبَيِّنَاتِ‏}‏ القرآن أو الحجج، أو محمد صلى الله عليه وسلم، أو الإسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏210‏]‏

‏{‏هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ‏(‏210‏)‏‏}‏

‏{‏فِى ظُلَلٍ‏}‏ بظلل، أوأمرُ الله تعالى في ظلل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏211‏]‏

‏{‏سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏211‏)‏‏}‏

‏{‏سَلْ بَنِى إِسْرَآءِيلَ‏}‏ توبيخاً لهم، أراد علماءهم، أو أنبياهم، أو جميعهم‏.‏ ‏{‏ءَايَةٍ بَيِّنَةٍ‏}‏ فلق البحر، وتظليل الغمام وغيرهما‏.‏ ‏{‏نِعْمَةَ اللَّهِ‏}‏ العلم برسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏212‏]‏

‏{‏زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏212‏)‏‏}‏

‏{‏زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا‏}‏ زينها الله بخلق الشهوات فيها، أو زينها الشيطان، أو المُغوي من الثقلين‏.‏ ‏{‏وَيَسْخَرُونَ‏}‏ من ضعفاء المسلمين، يوهمونهم أنهم على حق، والمراد بذلك علماء اليهود، أو مشركو العرب‏.‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّقَوْاْ‏}‏ فوق الكفار‏.‏ ‏{‏بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ عبّر بذلك عن سعة ملكه الذي لا يفنيه عطاء ولا يقدر بحساب، أو هو دائم لا يفنى، أو رزق الدنيا بغير حساب لأنه يعم المؤمن والكافر، ولا يُعطى المؤمن على قدر إيمانه، أو رزق المؤمن في الآخرة لا يحاسب عليه، أو التفضل بغير حساب، والجزاء بالحساب، أو كفايتهم بغير حساب ولا تضييق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏213‏]‏

‏{‏كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏213‏)‏‏}‏

‏{‏أُمَّةً وَاحِدَةً‏}‏ على الكفر، أو على الحق، أو آدم عليه الصلاة والسلام كان إمام ذريته فبعث الله تعالى النبيين في ولده‏.‏ أو يوم الذر لما خرجوا من صلب آدم أقروا بالعبودية ثم اختلفوا، وهم عشرة قرون كانوا بين آدم ونوح على الحق ثم اختلفوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏215‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ‏(‏215‏)‏‏}‏

‏{‏مَاذَا يُنفِقُونَ‏}‏ سألوا عن أموالهم اين يضعونها فنزلت، أو نزلت في إيجاب نفقة الأهل والصدقة ثم نسخت بالزكاة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏216‏]‏

‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏216‏)‏‏}‏

‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ‏}‏ أراد به الصحابة رضي الله تعالى عنهم خاصة، أو الناس عامة إلى حصول الكفاية، أو هو فرض متعين على كل مسلم أبداً، قاله ابن المسيب‏.‏ ‏{‏كُرْهٌ لَّكُمْ‏}‏ الكُره‏:‏ إدخال المشقة على النفس من غيره إكراه أحد، والكَره‏:‏ إدخال المشقة بإكراه غيره، كره‏:‏ ذو كره، أو مكروه لكم فأقام المصدر مقامه‏.‏ مكروه قبل الأمر به وأما بعده فلا، أو كره الطباع قبل الأمر وبعده‏.‏ ‏{‏وَعَسَى‏}‏ بمعنى «قد»، أو طمع المشفق مع دخول الشك، ‏{‏وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً‏}‏ من القتال، ‏{‏وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ‏}‏ بالظفر والغنيمة والأجر والثواب، ‏{‏وَعَسَى أَن تُحِبًّواْ شَيْئاً‏}‏ من ‏[‏ترك‏]‏ القتال، ‏{‏وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ‏}‏ بظهور عدوكم، ونقصان أجوركم، ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ‏}‏ مصلحتكم، ‏{‏وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏217‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏217‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏ خرج عبد الله بن جحش بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في سبعة نفر فلقوا ابن الحضرمي في عِير فَقُتل ابنُ الحضرمي وأسروا آخر، وغنموا العير، وذلك أول ليلة من رجب، فلامه الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون فنزلت فسأله المشركون عن ذلك ليعيّروه ويستحلوا قتاله فيه، قاله الأكثرون‏.‏ أو سأله المسلمون ليعرفوا حكمه، سألوا عن القتال في الشهر الحرام، فأخبرهم أن الصد عن سبيله وإخراج أهل الحرم والفتنة أكبر من القتل في الشهر، أو سألوا عن القتل في الحرم والشهر الحرام فأخبرهم بأن الصد والإخراج والفتنة أكبر من القتل في الحرم والشهر الحرام، وتحريم ذلك محكم عند عطاء، منسوخ على الأصح، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غزا هوازن وثقيفاً، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس في بعض الأشهر الحرم، وبايع على قتال قريش بيعة الرضوان في ذي القعدة‏.‏ ‏{‏حَبِطَتْ‏}‏ أصل الحبوط‏:‏ الفساد، فإذا بطل العمل قيل حبط لفساده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏218‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏218‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ‏}‏ قال قوم من المسلمين في سرية أبن جحش‏:‏ «إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم في سفرهم أجر»‏.‏ فنزلت ‏{‏هَاجَرُواْ‏}‏ دورهم كراهة المقام مع المشركين‏.‏ ‏{‏وَجَاهَدُواْ‏}‏ جهد فلاناً كذا‏:‏ إذا أكربه وشق عليه ‏{‏سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ طريقه وهي دينه‏.‏ ‏{‏يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ‏}‏ إنما رجوها لأنهم لا يدرون الخواتيم، أو لأنهم لم يتيقنوا آداء كل ما وجب عليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏219‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ‏(‏219‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ‏}‏ الخمر‏:‏ ما خامر العقل فيستره، والميسر‏:‏ القمار‏.‏ ‏{‏إِثْمٌ كَبِيرٌ‏}‏ سكر الشارب وإيذاؤه الناس؛ وإثم الميسر بالظلم ومنع الحق، أو إثم الخمر‏:‏ زوال العقل حتى لا يعرف خالقه، وإثم الميسر‏:‏ صده عن ذكر الله وعن الصلاة، وإيقاع العداوة والبغضاء‏.‏ ‏{‏وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ‏}‏ منافع أثمانها، وربح تجارتها، والالتذاذ بشربها‏.‏

ونشربها فتتركنا ملوكا *** وأُسداً ما ينهنهنا اللقاء

ومنافع الميسر‏:‏ كسب المال بغير كد، أو ما كانوا يصيبون به من أنصباء الجزور‏.‏ ‏{‏وَإِثْمُهُمَآ‏}‏ بعد التحريم ‏{‏أُكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا‏}‏ قبل التحريم، أو كلاهما قبل التحريم‏.‏ ‏{‏الْعَفْوَ‏}‏ ما فضل عن الأهل، أو ما لا يبين على من أنفقه أو تصدق به، أو الوسط من غير إسراف ولا إقتار، أو أخذ ما آتوه من قليل أو كثير، أو الصدقة عن ظهر غنى، أو الصدقة المفروضة، وهي محكمة، أو نُسخت بالزكاة، وحُرمت الخمر بهذه الآية، أو بآية «المائدة» على قول الأكثر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏220‏]‏

‏{‏فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏220‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى‏}‏ لما نزل ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏الأسراء‏:‏ 34‏]‏ و‏{‏إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 10‏]‏ تحرجوا من خلط طعامهم بأطعمة اليتامى فعزلوا أطعمة اليتامى حتى ربما فسدت عليهم، فنزلت ‏{‏وَإِن تُخَالِطُوهُمْ‏}‏ في الطعام والشراب، والسكنى، والدابة، واستخدام العبيد‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ‏}‏ الذي يخلط ماله بمال اليتيم، ليفسد مال اليتيم‏.‏ والمصلح‏:‏ الذي يريد بذلك إصلاح مال اليتيم‏.‏ ‏{‏لأَعْنَتَكُمْ‏}‏ لشدد عليكم، أو يجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً ‏{‏عَزيزٌ‏}‏ في سلطانه قادر على الإعنات‏.‏ ‏{‏حَكِيمٌ‏}‏ في تدبيره بترك الإعنات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏221‏]‏

‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ‏(‏221‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ‏}‏ محكم في كل مشركة كتابية، أو غير كتابية، أو خُصِّصَ منه أهل الكتاب، أو كانت عامة في كل مشركة فنسخ منها أهل الكتاب، ومراده التزويج، والنكاح‏:‏ حقيقة في العقد مجاز في الوطء‏.‏ ‏{‏مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن‏}‏ حرة ‏{‏مُّشْرِكَةٍ‏}‏ وإن شرف نسبها، أو نزلت في عبد الله ابن رواحة، كانت له أَمَة، فخطب عليه حرة مشركة شريفة فلم يتزوجها فأعتق أمته وتزوجها، فطعن عليه ناس من المسلمين فنزلت ‏{‏وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ‏}‏ بجمالها وحسبها ومالها‏.‏ ‏{‏وَلا تُنكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ هذا على عمومه إجماعاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏222‏]‏

‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ‏(‏222‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْئَلُونكَ عَنِ الْمَحِيضِ‏}‏ كانوا يجتنبون مساكنة الحائض والأكل والشرب معها، فسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت، أو سأله ثابت بن الدحداح الأنصاري، أو كانوا يعتزلون الوطء في الفرج ويأتونهن في أدبارهن مدة الحيض فنزلت، قاله مجاهد‏:‏ ‏{‏أَذىً‏}‏ بِنَتَنِه وقذره ونجاسته‏.‏ ‏{‏فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ‏}‏ فلا تباشروهن بشيء من أبدانكم، أو ما بين السرة والركبة، أو الفرج وحده‏.‏ ‏{‏يَطْهُرْنَ‏}‏ ينقطع دمهن‏.‏ ‏{‏تَطَهَّرْنَ‏}‏ اغتسلن بالماء‏:‏ بالوضوء وبالغسل، أو بغسل الفرج وحده‏.‏ ‏{‏مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ‏}‏ في القُبُل، أو بالنكاح دون السفاح، أو من قُبُل الطهر لا من قُبُل الحيض، أو لا تقربوها صائمة ولا محرمة ولا معتكفة ‏{‏الْمُتَطَهِّرينَ‏}‏ بالماء، أو من أدبار النساء، أو من الذنوب بالتوبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏223‏]‏

‏{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏223‏)‏‏}‏

‏{‏حَرْثٌ لَّكُمْ‏}‏ مزدرع لنسلكم ‏{‏أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ زعمت اليهود أن من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأكذبهم الله تعالى بقوله ‏{‏أَنَّى شِئْتُمْ‏}‏ أو كيف شئتم عازلين أو غير عازلين، أو حيث شئتم من قُبُل أو دُبُر روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وبه قال ابن أبي مُلكية، ويروى عن مالك رحمه الله تعالى وقد أُنكرت هذه عن ابن عمر، أو من أي وجه شئتم من دبرها في قبلها، أو من قبلها، أو قال بعض الصحابة‏:‏ إني لآتي امرأتي مضطجعة، وقال آخر‏:‏ إني لآتيها قائمة، وقال آخر‏:‏ إني لآتيها على جنبها، وقال آخر‏:‏ إني لآتيها باركة، فقال يهودي بقربهم‏:‏ ما أنتم إلا أمثال البهائم، ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏{‏وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ‏}‏ الخير، أو ذكر الله تعالى عند الجماع قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏224‏]‏

‏{‏وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏224‏)‏‏}‏

‏{‏عُرْضَةً‏}‏ من القوة والشدة، فالعرضة أن يحلف في كل حق وباطل فيبتذل اسم الله تعالى ويجعله عرضة، أو العرضة‏:‏ علة يعتل بها فيمتنع من فعل الخير، والإصلاح معتدلاً بأن حلفت، أو يحلف في الحال فيعتل بيمينه في ترك الخير، أو يحلف ليفعلن البر والخير فيقصد بفعله برّ يمينه دون الرغبة في فعل الخير‏.‏ ‏{‏أَن تَبَرُّواْ‏}‏ في أيمانكم، أو تبروا أرحامكم ‏{‏وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ‏}‏‏.‏ ‏{‏سَمِيعٌ‏}‏ لأيمانكم ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ باعتقادكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏225‏]‏

‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏225‏)‏‏}‏

‏{‏بِاللَّغْوِ‏}‏ كل كلام مذموم، لغا فلان‏:‏ قال قبيحاً، فلغو اليمين‏:‏ ما سبق إليه اللسان من غير قصد، كلا والله، وبلى والله، مَّر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوم يتناضلون فرمى رجل فقال‏:‏ اصبت والله، أخطأت والله، فقال رجل مع الرسول صلى الله عليه وسلم حنث الرجل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلا إن أيمان الرماة ‏[‏لغو‏]‏ لا كفارة ولا عقوبة» أو الحلف على شيء ظاناً ثم تبين بخلافه، أو الحلف في حال الغضب من غير عقد ولا عزم بل صلة في الكلام وعن الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يمين في غضب»، أو الحلف على معصية فلا يؤاخذ بترك المعصية ويكفِّر، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم «من حلف على معصية فلا يمين له» أو دعاء الحالف على نفسه، كقوله‏:‏ «إن لم أفعل فأعمى الله بصري، او أخرجني من مالي، أو أنا كافر بالله، قاله زيد بن أسلم» أو اللغو‏:‏ الأيمان المكفَّرة، أو ما حنث فيه ناسياً ‏{‏كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ عمدتم، أو الحلف كاذباً، أو على باطل، أو اعتقاد الشرك بالله تعالى والكفر، عند زيد بن أسلم‏.‏ ‏{‏غَفُورٌ‏}‏ للغو ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ بترك معاجلة العصاة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏226‏]‏

‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏226‏)‏‏}‏

‏{‏يُؤْلُونَ‏}‏ يقسمون، والأليَّة‏:‏ القسم، يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم فترك لدلالة الكلام عليه، ويختص باليمين بالله تعالى، أو يعم في كل ما يُلزم الحانث ما لم يكن يلزمه‏.‏ يختص بالجماع وبحال الغضب وقصد الإضرار ولا يجري في حال الرضا وبغير قصد الإضرار، أو يعم الأحوال إذا حلف على الجماع، أو يعم فيما يسوء به زوجته من جماع، أو غيره، كقوله‏:‏ لأسوأنك أو لأغيظنك، قاله الشعبي وابن المسيب والحكم‏.‏ ‏{‏فَآءُو‏}‏ رجعوا إلى الجماع، أو الجماع لغير المعذور، والفيئة باللسان للمعذور، أو الفيئة باللسان وحده عند من جعله عاماً في غير الجماع‏.‏ ‏{‏غَفُورٌ‏}‏ بإسقاط الكفارة، أو بإسقاط الإثم دون الكفارة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏227‏]‏

‏{‏وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏227‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ‏}‏ بأن لا يطلقوا حتى تمضي الأشهر الأربعة فتطلق بائنة، أو رجعية، أو يوقف بعد مضي الأشهر، فإن فاء وإلا طلق قاله‏:‏ اثنا عشر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، أو الإيلاء ليس بشيء قاله ابن المسيب‏:‏ ‏{‏سَمِيعٌ‏}‏ لإيلائه، أو لطلاقه، ‏{‏عَلِيمٌ‏}‏ بنيته، أو بضره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏228‏]‏

‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏228‏)‏‏}‏

‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ‏}‏ الطلاق‏:‏ التخلية، النعجة المهملة بغير راعٍ طالق وبه سميت المرأة‏.‏ ‏{‏ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ مدة ثلاثة قروء، وهي الحيض، أو الأطهار، أخذ من الاجتماع، لاجتماع الدم في الرحم عند من رآها الحيض، أو لاجتماعه في البدن عند من رأها الأطهار، قرأ الطعام في شدقه والماء في حوضه جمعهما، أو القَرء‏:‏ الوقت لمجىء ما يعتاد مجيئه، أو لإدباره، أقرأ النجم جاء وقت طلوعه أو أفوله‏.‏ قال‏:‏

إذا ما الثريا وقد أقرأت *** أحس السِّما كان منها أفولاً

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ هبت لقارئها الرياح

فالقرء‏:‏ وقت لخروج الدم، أو لاحتباسه‏.‏ ‏{‏مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ‏}‏ الحيض أو الحمل، أو كلاهما، توعدها لأنها تمنع بالكتمان رجعة الزوج، أو لإلحاق نسب الولد بغيره كفِعل الجاهلية‏.‏ ‏{‏وَبُعُولَتُهُنَّ‏}‏ سموا بذلك لعلوهم عليهن، بعلا‏:‏ ربًّا، لعلوه بالربوبية‏.‏ ‏{‏بِرَدِّهِنَّ‏}‏ برجعهن‏.‏ ‏{‏وَلَهُنَّ‏}‏ من حسن الصحبة مثل الذي للرجال عليهن من حسن الصحبة، أو لهن على الأزواج من التصنع مثل ما لأزواجهن عليهن قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو لهن من ترك المضارة مثل ما عليهن‏.‏ ‏{‏وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ‏}‏ بالميراث والجهاد، أو بالإمرة والطاعة، أو إعطاء الصداق والملاعنة إذا قذفها، أو بالإفضال عليها وأداء حقها والصفح عن حقوقه عليها، أو بأن جعل له لحية قاله حميد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏229‏]‏

‏{‏الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏(‏229‏)‏‏}‏

‏{‏الطَّلاقُ مَرَّتَانِ‏}‏ بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قرء طلقة، أو بيان لعدد ما ثبت فيه الرجعة، ولتقديره بالثلاث كان أحدهم يطلق ما شاء ثم يراجع، فأراد رجل المضارة بزوجته بطلاقها ثم ارتجاعها كلما قرب انقضاء عدتها ولا يقربها فشكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏{‏فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ الرجعة بعد الثانية، والتسريح بالإحسان الطلقة الثالثة‏.‏ قيل للرسول صلى الله عليه وسلم الطلاق مرتان فأين الثالثة‏؟‏ قال‏:‏ «إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان»، أو التسريح بإحسان‏:‏ ترك الرجعة حتى تنقضي العدة، والإحسان‏:‏ أداء حقها وكف الأذى عنها‏.‏ ‏{‏يَخَافَآ‏}‏ يظنا‏.‏ ‏{‏أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ بظهور نشوزها وسوء الخلق، أو لا تطيع أمره ولا تبر قسمه، أو تصرح بكراهتها له، أو يكره كل واحد منهما صاحبه فلا يؤدي حقه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المختلعات هن المنافقات» وهي التي تختلع لميلها إلى غير زوجها‏.‏ ‏{‏فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ من الصداق من غير زيادة، أو يجوز أن تفتدي بالصداق وبجميع مالها‏.‏ وجواز الخلع محكم عند الجمهور، ومنسوخ عند بكر بن عبد الله‏.‏ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَءَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 20‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏230‏]‏

‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‏(‏230‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا‏}‏ الثالثة، أو هو تفسير لقوله تعالى ‏{‏أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ ‏{‏تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ‏}‏ الدخول شرط عند الجمهور خلافاً لابن المسيب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏231‏]‏

‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏231‏)‏‏}‏

‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلهُنَّ‏}‏ قاربن انقضاء العدة، بلغ البلد إذا قاربه ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَ‏}‏ ارتجعوهن‏.‏ ‏{‏سَرِّحُوهُنَّ‏}‏ بتركهن حتى تنقضي العدة ‏{‏وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا‏}‏ بالارتجاع كلما طلق ليطول العدة، ‏{‏وَلا تَتَّخِذُواْ ءَايَاتِ اللَّهِ هُزُوًا‏}‏ كان أحدهم يطلق، أو يعتق ثم يقول «كنت لاعباً» فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «من طلق لاعباً، أو أعتق لاعباً فقد جاز عليه»، ونزلت ‏{‏وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏232‏]‏

‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ‏(‏232‏)‏‏}‏

‏{‏فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ‏}‏ بانقضاء العدة‏.‏ ‏{‏تَعْضُلُوهُنَّ‏}‏ العضل المنع، داء عضال‏:‏ ممتنع أن يداوي، فلان عضلة‏:‏ داهية، لامتناعه بدهائه، أو العضل‏:‏ التضييق، أعضل بالجيش الفضاء، وقال عمر رضي الله تعالى عنه‏:‏ «أعضل رأيي في أهل العراق لا يرضون عن والٍ ولا يرضى عنهم والٍ»‏.‏ نزلت في معقل بن يسار لما طُلقت أخته، رغب مطلقها في نكاحها فعضلها، أو نزلت في جابر بن عبد الله طُلقت بنت عم له ثم رغب زوجها في نكاحها فعضلها، أو تعم كل ولي عاضل‏.‏ ‏{‏تَرَاضَواْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ بالزوج الكافي، أو بالمهر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏233‏]‏

‏{‏وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏233‏)‏‏}‏

‏{‏حَوْلَيْنِ‏}‏ من حال الشيء إذا انقلب، لانقلابه عن الوقت الأول واستحالة الكلام انقلابه عن الصواب، أو من التحول عن المكان، لانتقاله من الزمن الأول‏.‏ ‏{‏كَامِلَيْنِ‏}‏ قيدهما بالكمال، لأنهم يطلقون الحولين يريدون أحدهما وبعض الآخر، ومنه ‏{‏فَمَن تَعَجَّلَ فَي يَوْمَيْنِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 203‏]‏، أَمرٌ بإكمالها لمن كان حملها ستة أشهر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 15‏]‏، فإن كان حملها تسعاً أرضعت إحدى وعشرين شهراً، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما‏:‏ أو هو عام في كل مولود طالت مدة حمله، أو قصرت‏.‏ ‏{‏الْمَوْلُودِ لَهُ‏}‏ الأب، عليه رزق الأم المطلقة إذا أرضعت ولدها ومؤنتها ‏{‏بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ بأجرة مثلها، أو رزق الأم المنكوحة وكسوتها بالمعروف لمثلها على مثله من يسار، أو إعسار‏.‏ ‏{‏لا تُضَآرَّ وَالدِةٌ‏}‏ لا تمتنع من الإرضاع إضراراً بالأب عند الجمهور، أو الوالدة هي الظئر، ولا ينتزع الأب المولود له الولد من أمه إضراراً ‏{‏وَعَلَى الْوَارِثِ‏}‏ وهو المولود، أو الباقي من أبويه بعد موت الآخر، أو وارث الوالد، أو وارث الابن من عصبته كالعم وابنه، والأخ وابنه دون الوارث من النساء، أو ذوي الرحم المَحْرم من الورثة، أو الأجداد ثم الأمهات‏.‏ ‏{‏مِثْلُ ذَلِكَ‏}‏ ما كان على الأب من أجرة رضاعه ونفقته، أو من أن لا تضار والدة بولدها ‏{‏فِصَالاً‏}‏ فطاماً بفصل الولد من ثدي أمه، فاصلت‏:‏ فلاناً فارقته ‏[‏‏{‏وَتَشَاوُرٍ‏}‏‏]‏ التشاور‏:‏ استخراج الرأي بالمشاورة‏.‏ والفصال بالتراضي قبل الحوليين، أو قبلهما وبعدهما‏.‏ ‏{‏تَسْتَرْضِعُواْ‏}‏ لأولادكم بحذف ‏[‏اللام اكتفاء بأن الاسترضاع لا يكون إلا للولد‏]‏ وهذا عند امتناع الأم من رضاعه ‏{‏سَلَّمْتُم‏}‏ إلى الأمهات أجر رضاعهن قبل امتناعهن، أو سلمتم الأولاد إلى المرضعة برضى الأبوين، أو سلمتم إلى الظئر أجرها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏234‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏234‏)‏‏}‏

‏{‏أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏ زيدت العشر لأن الروح تنفخ فيها قاله ابن المسيب، وأبو العالية، وفي وجوب الإحداد فيها قولان‏:‏ قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء بن عميس لما أصيب جفعر بن أبي طالب‏:‏ «تسلبي ثلاثاُ ثم أصنعي ما شئت» ‏{‏فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ‏}‏ أي في تزوجكم بهن، أو سقط عنكم الإنكار عليهن إذا تزوجن بعد الأجل‏.‏ ‏{‏بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ بالنكاح المباح، أو بالطيب والزينة والانتقال من المسكن نَسخت هذه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يُتَوَفَّوْنَ‏}‏ ‏[‏240‏]‏ وتقدم الناسخ على المنسوخ، لأن القارىء إذا وصل إلى الناسخ واقتصر عليه أجزأه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏235‏]‏

‏{‏وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏235‏)‏‏}‏

‏{‏عَرَّضْتُم‏}‏ الإشارة بالكلام إلى ما ليس له فيه ذكر، كقوله ما عليكِ أيمة، ورغب راغب فيك، ولعل الله أن يسوق إليكِ خيراً ‏{‏خِطْبَةِ‏}‏ طلب النكاح، والخُطْبة‏:‏ الكلام الذي يتضمن الوعظ والإبلاغ ‏{‏أَكْنَنتُمْ‏}‏ سترتم‏.‏ ‏{‏سِرّاً‏}‏ زنا، أو الجماع، أو قوله‏:‏ «لا تفوتيني نفسك» أو نكاحها في العدة سِراً، أو أخذه ميثاقها أن لا تنكح غيره‏.‏ ‏{‏قَوْلاً مَّعْرُوفاً‏}‏ هو التعريض‏.‏ ‏{‏وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ‏}‏ على عقدة يريد التصريح ‏{‏الْكِتَابُ أَجَلَهُ‏}‏ فرض الكتاب، أو أراد بالكتاب الفرض تشبيهاً بكتاب الدَّين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏236‏]‏

‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ‏(‏236‏)‏‏}‏

‏{‏أَوْ تَفْرِضُواْ‏}‏ بمعنى «ولم تفرضوا» أو «فرضتم أو لم تفرضوا» فحذف فرضتم‏.‏ ‏{‏فَرِيضَةً‏}‏ صداقاً، سمي بذلك، لأنه أوجبه على نفسه، وأصل الفرض الواجب ‏{‏وَمَتِّعُوهُنَّ‏}‏ بمال ينتفعن به بقدر نصف صداق المثل، أو يقدرها الحاكم باجتهاده، أو خادم ودون ذلك الوَرِق، ودون ذلك الكسوة وهي واجبة لكل مطلقة، أو لغير المدخول بها إذا لم يسمِّ لها صداقاً، أو لكل مطلقة إلا غير المدخول بها، أو هي مندوب إليها‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏237‏]‏

‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏237‏)‏‏}‏

‏{‏فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏ فلكم استرجاعه، أو فهو لهن ليس عليكم غيره‏.‏ ‏{‏إِلآ أَن يَعْفُونَ‏}‏ ليكون مرغباً للأزواج في خطبتها‏.‏ ‏{‏الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِكَاحِ‏}‏ الولي، أو الزوج، أو أبو البكر‏.‏ ‏{‏وَأَن تَعْفُواْ‏}‏ أيها الأزواج أو الأزواج والزوجات‏.‏ ‏{‏لِلتَّقْوَى‏}‏ إلى اتقاء المعاصي، أو إلى أن يتقي كل واحد منهما ظلم الآخر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏238‏]‏

‏{‏حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ‏(‏238‏)‏‏}‏

‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ‏}‏ بذكرها، أو تعجيلها‏.‏ ‏{‏الْوُسْطَى‏}‏ خُصت بالذكر لانفرادها بالفضل، وهي العصر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «حبسونا عن الصلاة الوسطى‏.‏ صلاة العصر»، أو الظهرُ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصيلها بالهاجرة فلم يكن على الصحابة أشد منها فنزلت، لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين، أو المغرب لتوسط عددها، وأنها لا تقصر، أو الصبح، لقوله تعالى ‏{‏وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ ولا قنوت في غيرها، أو هي مبهمة في الخمس غير معينة ليكون أبلغ في المحافظة على جميعها‏.‏ ‏{‏قَانِتِينَ‏}‏ القنوت من الدوام على أمر واحد، أو من الطاعة، أو من الدعاء يريد طائعين، أو ساكتين عن منهي الكلام، أو خاشعين عن العبث والتلفت، أو داعين، أو طول القيام، أو القراءة‏.‏ رضي الله عنه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏239‏]‏

‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ‏(‏239‏)‏‏}‏

‏{‏فَرِجَالاً‏}‏ جمع راجل كقائم وقيام، ولا يغير الخوف عدد الصلاة عند الجمهور، وقال الحسن‏:‏ «صلاة الخوف ركعة» وفي وجوب قضائها مذهبان ‏{‏فَاذْكُرُواْ اللَّهَ‏}‏ فصلوا كما علمكم، أو فاذكروه بحمده، والثناء عليه ‏{‏كَمَا عَلَّمَكُم‏}‏ من أمر دينكم ‏{‏مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏240‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏240‏)‏‏}‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوفَّوْنَ‏}‏ نسخت الوصية بآية المواريث، والحول بأربعة أشهر وعشر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏241‏]‏

‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ‏(‏241‏)‏‏}‏

‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعُ‏}‏ كل مطلقة، أو الثيب المجامعة، أو لما نزل ‏{‏حَقّاً عَلَى المحسنين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 236‏]‏ قال رجل‏:‏ «إن أحسنت فعلت وإن لم أرَ ذلك لم أفعل فنزل ‏{‏حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ‏}‏ وخُصوا بالذكر تشريفاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏243‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ‏(‏243‏)‏‏}‏

‏{‏أُلوُفٌ‏}‏ مؤتلفو القلوب، أو ألوف في عددهم أربعة آلاف أو ثمانية آلاف أو بضعة وثلاثون ألفاً، أو أربعون ألفاً، والألوف تستعمل فيما زاد على عشرة آلاف‏.‏ ‏{‏حَذَرَ الْمَوْتِ‏}‏ فروا من الجهاد، أو من الطاعون إلى أرض لا طاعون بها فلما خرجوا ماتوا، فمر بهم نبي فدعا أن يُحيوا فأُجيب‏.‏ ‏{‏فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ‏}‏ عبّر عن الإماتة بالقولن كما يقال‏:‏ قالت السماء فمطرت، أو قال قولاً سمعته الملائكة، وإحياؤهم معجزة لذلك النبي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏245‏]‏

‏{‏مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏245‏)‏‏}‏

‏{‏قَرْضاً حَسَناً‏}‏ في الجهاد، أو أبواب البر‏.‏ ‏{‏أَضْعَافًا كَثِيرةً‏}‏ سبعمائة ضعف، أو ما لا يعلمه إلا الله‏.‏ ‏{‏يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ‏}‏ في الرزق، أو ‏{‏يَقْبِضُ‏}‏ الصدقات ‏{‏وَيَبْصُطُ‏}‏ الجزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏246‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ‏(‏246‏)‏‏}‏

‏{‏الْمَلإِ‏}‏ الأشراف‏.‏ ‏{‏لِنَبِىٍّ لَّهُمُ‏}‏ سمويل، أو يوشع بن نون، أو سمعون، سمته أمه بذلك لأن الله تعالى سمع دعاءها فيه، طلبوا ذلك لقتال العمالقة، أو الجبارين الذي استذلوهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏247‏]‏

‏{‏وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ‏(‏247‏)‏‏}‏

‏{‏طَالُوتَ‏}‏ لم يكن من سبط النبوة ولا المملكة‏.‏ ‏{‏بَسْطَةً‏}‏ زيادة في العلم، وعظماً في الجسم، كانا قبل الملك، أو زاده ذلك بعد الملك‏.‏ ‏{‏وَاسِعٌ‏}‏ الفضل، أو موسع على خلقه، أو ذو سعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏248‏]‏

‏{‏وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏248‏)‏‏}‏

‏{‏سَكِينَةٌ‏}‏ ريح هفافة لها جه كوجه الإنسان، أو طست ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، أو روح من الله تتكلم، أو ما تعرفونه من الآيات فتسكنون إليه، أو الرحمة، أو الوقار‏.‏ ‏{‏وَبَقِيَّةٌ‏}‏ عصا موسى عليه الصلاة والسلام، ورضاض الألواح، أو العلم، أو التوراة، أو الجهاد في سبيل الله تعالى، أو التوراة وشيء من ثياب موسى عليه الصلاة والسلام، كان قدر التابوت ثلاثة أذرع في ذراعين ‏{‏تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ‏}‏ بين السماء والأرض يرونه عياناً، ويقال نزل آدم عليه الصلاة والسلام بالتابوت والركن‏.‏ وكان التابوت بأيدي العمالقة غلبوا عليه بني إسرائيل، أو كان ببرية التيه خلفه بها يُوشع بن نون، وقيل إن التابوت وعصا موسى عليه الصلاة والسلام في بحيرة الطبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة‏.‏